ازداد الجو حرارة مؤخرا...
رغم ان الشتاء هو فصلها المفضل , دفئ الجو من جديد أسعدها
كان شتاءا" قاس هذا العام, لا تذكر انها استخدمت من قبل ذلك الكم من الاغطية- لدرجة جعلها تتنفس بصعوبة- و مع ذلك تظل أطرافها متجمدة حتى الصباح.
فى طريقها للمنزل هى, تتمنى لو ابتعد منزلها قليلا فتنعم بمزيد من الاشعة الذهبية الدافئة
''ترتفع حالات الاكتئاب و معدلات الانتحار فى البلاد ذات الشتاء الطويل لطول فترة غياب الشمس'' لا تذكر اين قرأت ذلك لكنها تصدقه الان
تواصل السير .. لا اراديا تحاول تفادى الظلال ..
منذ فترة و هى تشعر بالبرودة اينما كانت مصحوبة بقشعريرة مؤلمة , تزداد فى غير اشعة الشمس .. لكنها- و ان اتهمت الشتاء - تعلم ان روحها المتجمدة هى مصدر تلك البرودة
لا تعرف متى بدأ التحول..متى أصبح الليل موحش بالنسبة لها -هى أشهر كائن ليلى فى أسرتها.
أو لماذا بدأت تفتقد أشعة الشمس متى غربت!!
كانت تنظر للسماء المظلمة ذات ليلة.. تذكرت تلك الدراسة عن الثقوب السوداء ..كيف تجذب كل شئ يقع فى مجال جاذبيتها ..تبتلعه و يختفى تماما... و الأدهى أنها - الثقوب - كانت يوما شموسا" متوهجة.
دلفت الى شارع جانبى , حيث منزلها فى نهايته و عم فاروق العجوز الطيب بائع الكتب فى بدايته..
يراها قادمة فيبتسم
انه هناك منذ الازل بالنسبة لها... اعتادت شراء الروايات أو استبدالها منه بأخرى.... انها تلك الفترة عندما يكف هرمون الاستمتاع باللعب فى الشارع عن العمل و يبدأ بدلا منه هرمون انهم ينظرون نحوى فى النشاط
ابتسمت له و توقفت, تتفحص عيناها الكتب المعروضة
التقطت كتاب ,تحسست غلافه المصقول, رفعته الى أنفها ... انها رائحة الاغلفة الجديدة التى طالما جعلتها تنتشى
لكن -ككل شئ اعتادت ان تحبه- آلمتها الرائحة
و أحست بممراتها التنفسية كأنما اجتاحتها عاصفة ثلجية
هناك المزيد بالداخل يا ابنتى.. قالها الرجل العجوز فى وهن حنون
أعادت الكتاب و تقدمت للداخل
ماذا يحدث لها!! لما كل هذا الألم ؟ .. لم تكن المرة الأولى التى تؤلمها أنفاسها, بل ان ضحكاتها ايضا تؤلمها فتخرج مبتورة متحشرجة!!
حقا كان هناك المزيد بالداخل... ذلك الركن المهمل أثار انتباهها حيث استقرت كومة من الكتب القديمة..بعضها مهترئ و بعضها يصلح .. و كلها مغطا بالأتربة كمقبرة فرعونية تنتظر مكتشفيها
بدأت تقلب فيهم بحرص شديد -لا تريد عاصفة ترابية الان- انتقت كتابا مصفر الأوراق.. قلبت صفحاته , لم يكن بهذا السوء
فقط امتلأت الحواشى و الهوامش بكتابة صغيرة منمقة أو وضعت بعض الخطوط تحت كلمات هنا و هناك, أو ملاحظات دقيقة كتبت بين السطور
بحثت فى الكتاب , تاريخ الطباعة يقول
1942 !!
هناك اسم باهت كتب بالأنجليزبة مرة و بالعربية مرة
تتأمله...
نشوة غريبة تجتاحها
ظهور مالك الكتاب الأصلى الطاغ فى الصفحات جعلها تفكر....
لقد رأى الكتاب و عاصر حياة أخرى ..أحداث و أفكار و ذكريات و مشاعر..
و أشخاص صنعوا كل هذا..!!
ترى من هو ؟ هل هناك من يعرفه و مازال يذكره؟؟ فيم فكر عندما وضع ذلك الخط أو تلك الملحوظة؟
و الكتاب ..هل مر على أياد و حيوات أخرى!!!؟
أخذت نفس عميق امتلأ برائحته
رائحته هى خليط من رائحة معطف أبيها الصوفى و وسادة أمها و خشب مقعدها فى المدرسة الابتدائية و رائحة عطرية ما ...
هل هى رائحة الزمن!!؟
تشعر بطاقة نفسية هائلة تشع منه..!
أدهشها كيف أنها الكائن الحى لا تشعر داخلها بأى حياة ,بينما هو ينبض بها..!!
هكذا ظلت تتنفسه حتى شعرت بحرارة رائحته تذيب أنفاسها المتجمدة..
تتوحد مع روحها ..
تبث فيها الحياة من بين صفحاته ..
و يعود الدفئ من جديد
!!!